الوصول إلى أبعد بقاع العالم

ترجمة وإعداد: ريـــم شاهين

مع تقلص العالم إلى حجم أصغر بكثير مما يمكن تخيله، كان  من المنطقي تطوير التقنيات والمعدات التي تجعل الوصول إلى كل جزء من هذا العالم ممكناً، وذلك من خلال تأمين آليات الوصول حتى إلى أبعد نقطة فيه.

كمثال عن التقنيات التي تصنف ضمن هذه الفئة تأتي سفن كسح الجليد في رأس القائمة.

السفن الكاسحة للجليد:

سفن كسح الجليد هي فئة خاصة من السفن التي تحطم الجليد بسماكات كبيرة وتجعل المسارات الأكثر قساوة متاحة للإبحار، وهي مصممة للتحرك والتنقل في المياه المغطاة بالجليد حتى في أصعب الظروف، لتوفير الممرات المائية الآمنة للقوارب والسفن الأخرى.

تستخدم كاسحات الجليد في المناطق شديدة البرودة عندما تتشكل طبقات سميكة من الجليد على سطح الماء، الأمر الذي يجعل من المستحيل إبحار السفن والقوارب. فتقوم الكاسحات بكسر الغطاء الجليدي ما يسمح للسفن الأخرى بالإبحار وإكمال رحلتها في المنطقة.

المتطلبات الواجب توفرها في كاسحة جليد:

– يجب أن يكون البدن قوياً جداً وذا متانة وصلابة معينة ليواجه ضغط الجليد.
– يجب أن يكون للسفينة تصميم خاص، فمن غير الممكن استخدام سفينة بتصميم تقليدي لتقوم بعمل سفينة كسح جليد تحت أي ظرف، حيث يشكل الفولاذ الصلب العنصر الأساسي المستخدم لبناء البدن والأجزاء الأخرى من كاسحة الجليد.
– يجب أن تمتلك الكاسحة القوة لتحمل ضغط الجليد بينما تمضي في الماء وتتعرض للارتطام بالجليد باستمرار، وكذلك القدرة على الدفع عبر المياه المتجمدة.
– يجب أن تبنى الرفاصات وخزانات الصابورة للسفينة بنفس الأسلوب بحيث لا تتأثر بالجليد، ويكون رفاص كاسحة الجليد مغطى دائماً بغلاف واقٍ يتحمل الظروف المحيطة شديدة القساوة.

تاريخ كاسحات الجليد:

مفهوم سفن كسح الجليد ليس بجديد، فقد بدأ استخدام هذا النوع من السفن في القرن الحادي عشر، ومع تطور التكنولوجيا تطورت سفن كسح الجليد بشكل متزامن ابتداءً من البناء بالخشب ليتم تشغيلها بواسطة محرك بخاري في القرن التاسع عشر.

أول سفينة كسح جليد بمحرك بخاري كانت The City Ice Boat No. 1 والتي تم بناؤها في فيلاديلفيا ودخلت بالخدمة سنة 1837. ومن ثم تم تطوير هذه السفن لتعمل بمحرك ديزل.

أما في أيامنا فقد تطورت التكنولوجيا لتسمح بتشغيل كاسحات الجليد بواسطة الطاقة النووية.

أول كاسحة جليد استخدمت الطاقة النووية لتحطيم الجليد المتكون في مياه مسارها هي سفينة تابعة للاتحاد السوفيتي Soviet ship Lenin، وضعت هذه السفينة بالخدمة في عام 1989. ويوجد حالياً العديد من كاسحات الجليد التي تعمل بالطاقة النووية في المياه الأوروبية.

إن تصنيع كاسحات الجليد عملية مكلفة جداً، ولكن الاستخدام والكفاءة الجيدة التي توفرها هائلة. تساعد هذه السفن في الحفاظ على استمرارية التجارة والأعمال البحرية في المناطق التي يكون فيها التداول التجاري مستحيلاً من دون مياه صالحة للإبحار.

آلية عمل كاسحات الجليد:

تظهر آلية عمل كاسحة الجليد في تصميمها الذي صمم ليناسب أغراضها الخاصة، فهي تمتلك غالباً بنية ضخمة مع ميزة الوزن الكبير، الحجم والقدرة.

بإمكانها أن تنزلق بسلاسة في الجليد حتى سماكة 3 أمتار وتحطمه لتشكل طريقاً يسمح بتقدم السفن الأخرى. هذا يجعلها قطعة استثنائية من الآليات المستخدمة في القطب المتجمد وروسيا.

يختلف تصميم بدنها عن أبدان السفن العادية، فأبدان السفن العادية تسمح لها بالانسياب خلال الأمواج وتقلل الاحتكاك بين السفينة والماء، بينما الجزء الانسيابي من سفن كسح الجليد يسمح لها بالانزلاق بسهولة عبر طبقات الجليد السميكة.

تقوم كاسحة الجليد بتوجيه مقدمتها فوق الجليد لتحطمه نتيجة خضوعه لتأثير وزن السفينة. تصميم الهيكل الانسيابي يساعدها على إبعاد الجليد إلى جانبي السفينة أو تحتها ويمنعه من الدخول إلى داخل أجزاء السفينة وإحداث ضرر لأن تراكم الجليد أمامها يعيقها ويبطئ من حركتها أكثر مما يفعله تحطيم الجليد ذاته.

إن المكونات الخارجية لنظام الدفع (الرفاص، عمود الرفاص…) أكثر أجزاء السفينة تعرضاً للخطر ، وبالتالي فإن قدرة السفينة على دفع نفسها على الجليد وتحطيمه ومن ثم إزالة الأنقاض من مسارها المائي هو أمر ضروري لسلامتها.

أكثر ما يميز سفن كاسحة الجليد هو تمتعها بهيكل مزدوج، ما يضمن سلامة البدن حتى في أقسى الظروف، ويعزز الهيكل الخارجي بمواد إضافية ودهانات بوليمير تمنحه قوة إضافية وتقلل الضرر الحاصل نتيجة الاحتكاك، وبالتالي تتقدم السفينة إلى الأمام وتشق الجليد وتدفعه جانباً ما يؤمن الطريق للسفن الأخرى للتقدم.

سفن الهيكل المزدوج مزودة برفاص يمكنها من الدوران في جميع الاتجاهات، وبالتالي قد تولد الحركة إلى الخلف طاقة كافية لتحطيم الجليد.

كاسحات الجليد النووية:

سفن كاسحات الجليد التي تعمل بالطاقة النووية هي مثال عن أحدث التقنيات التي دخلت مجال صناعة كاسحات الجليد، ما يجعلها أكثر ملائمة للمهمة القاسية التي تؤديها هذه السفن.

تستهلك كاسحات الجليد التي تعمل في مناطق مثل المياه المتجمدة الروسية التي تكون فيها سماكة الجليد حوالي 3 أمتار، أكثر من 100 طن من الوقود يومياً، وهي طاقة هائلة حتى في حال الأعمال ذات العائدية المرتفعة مثل استخراج النفط. بينما تستهلك السفن التي تعمل بالطاقة النووية أقل من رطل يورانيوم تحت نفس الظروف، هذا ما يجعلها أفضل من خيار الوقود ويلغي الحاجة لتعبئة الوقود، لذلك تكون السفن النووية مطلوبة في المناطق المغطاة بالجليد.

بما أن السفينة هي المحور الذي تدور من حوله جميـــــع الانشطة المتعلقة بالنقـــل البحـري والملاحة البحرية، وحسب ما تم عرضه عن مختلف أنواع السفن، نلاحظ أن سفن الخدمات البحرية تحتل مكانة هامة من هذا المحور ككاسحات الجليد ودورها الهام في استمرارية التنقلات البحرية للسفن الأخرى، ووسنتابع عرض الأنواع المتبقية من سفن الخدمة البحرية ليتم تسليط الضوء بشكل جيد على مكانة هذه السفن في قطاع النقل البحري.